الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد:
فإن الإسلام لِكمال هديه وكمال حِكمته يمنع الخروج على الحكام وما يؤدي إلى الخروج، ويأمر بالنصيحة والموعظة الحسنة النافعة بالطرق الحكيمة البعيدة عن الإفساد والمفاسد.
يقول الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي متعه الله يالصحة والعافية:
وما استفاد الناس من الخروج على الحكام أبدًا، لم يستفيدوا من الخروج على الحكام أبدًا، خروج أهل المدينة على يزيد ترتب عليه مفاسد عظيمة، خروجهم على بني أمية وعلى بني العباس ما يترتب عليها إلا الفساد والهلاك والدمار، فلم يستفد المسلمون من هذه الخروجات أبدًا، ودائمًا تأتي مفاسدها أكبر وأكبر وأشد من مصالحها، واعتبروا بالصومال كان حاكمهم ظالمًا فاجرًا فخرجوا عليه ...فاستمروا في دوامة من الفتن والدماء إلى يومنا هذا." إنتهى (كلمة مفرغة)
وقد أُعجب بهذه المظاهرات كأسلوب من أساليب الضغط على الحكومات، كثيرٌ من الأحزاب والحركات المحدثة سواء كانت أحزابا سياسية أو علمانية أو ما يسمى بالجماعات (الإسلامية)، ولم يبحث أحد من أولئك في كونها مخالفة للشرع أم لا، بل كانت المطامع والأهداف الحركية والحزبية طاغية بما لا مجال معه عند هؤلاء للتوقف والبحث في مشروعيتها من عدمه.
وإنما قالوا: إن فيها من المصالح وإظهار الحق، وإنكار المنكر، والتعبير عن الرأي الصحيح، وإظهار قوة الدين، وإحياء الوحدة الإسلامية، وغيرها من المصالح.
وما زعموا من المصالح لا يسوّغ المظاهرات.
أيها الأحبة في الله: إن المفاسد المترتبة على المظاهرات أعظم وأكبر من هذه المصالح المزعومة،ومن المتقرر أنه إذا تساوت المصالح والمفاسد فان(درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) فكيف والمفاسد أكثر وأكبر بل يزعمون أنها هي الطريقة الوحيدة المؤثرة في إيصال صوت الحق للناس في الداخل والخارج.
يقول الشيخ العلامة زيد بن محمد المدخلي رحمه الله تعالى ردا على سؤال وجه له بشأن
المظاهرات الحاصلة في البلاد الإسلامية ، وجواز البعض لها خصوصا إذا كانت سلمية ودون حمل السلاح. فقال رحمه الله : "المظاهرات من الأمور المحدثة، وكل أمر محدث فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ذلك أن شرع الله كامل-كتاب وسنة-، ولم نعرف في شيء من أدلة الكتاب والسنة تبيح لثلة من الناس أن يجتمعوا ويقوموا بالمظاهرات التي فيها التشويش على "الناس وقتل الأوقات.
( الأفنان وتوحيد ابن خزيمة وحديث عن المظاهرات4-4-1432هـ).
قال سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله تعالى:"فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيء العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات التي تسبب شرا عظيما على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن فتنصح الرئيس، والأمير وشيخ القبيلة بهذه الطريقة، لا بالعنف والمظاهرة،
فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكث في مكة 13 سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم، ولا شك أن هذا الأسلوب يضر بالدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن " أ. هـ مجلة "البحوث الإسلامية" العدد 38 ص 210.
وسئل العلامة العثيمين رحمه الله : هل تعتبر المظاهرات وسيلة من وسائل الدعوة الشرعية؟
فقال: فإن المظاهرات أمر حادث، لم يكن معروفا في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا في عهد الخلفاء الراشدين ولا عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم ، ثم إن فيه من الفوضى والشغب ما يجعله أمرا ممنوعا حيث يحصل فيه تكسير الزجاج والأبواب وغيرها. ويحصل فيه أيضا اختلاط الرجال بالنساء والشباب بالشيوخ وما أشبه من المفاسد والمنكرات، وأما مسألة الضغط على الحكومة فهي إن كانت مسلمة فيكفيها واعظا كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا خير ما يعرض على المسلم، وإن كانت كافرة فإنها لا تبالي بهؤلاء المتظاهرين وسوف تجاملهم ظاهرا وهي ما هي عليه من الشر في الباطن، لذلك نرى أن المظاهرات أمر منكر.
وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية، وأنصح الشباب أن يتبعوا سبيل من سلف فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أثنى على المهاجرين والأنصار وأثنى على الذين اتبعوهم بإحسان" انظر: "الجواب الأبهر" لفؤاد سراج ـ ص 75.
وسئل الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ هل من وسائل الدعوة القيام بالمظاهرات لحل مشاكل الأمة الإسلامية؟ الجواب: "ديننا ليس دين فوضى، ديننا دين انضباط، دين نظام ودين سكينة، المظاهرات ليست من أعمال المسلمين وما كان المسلمون يعرفونها، ودين الإسلام دين هدوء ودين رحمة لا فوضى فيه، ولا تشويش ولا إثارة فتن، هذا هو دين الإسلام ، والحقوق يُتوصل إليها دون هذه الطريقة بالمطالبة الشرعية والطرق الشرعية، هذه المظاهرات تحدث فتناً، وتحدث سفك دماء وتحدث تخريب أموال فلا تجوز هذه الأمور" أ. هـ الإجابات المهمة في المشاكل الملمة"
/ وكتبه بمونتريال
أبو أمامة محمد المغربي
شهر الله المحرم 25 عام 1436
الموافق 18 نوفمبر 2014 م